التكنولوجيا تحاكي الطبيعة

مما لا شك فيه ان الطبيعة كانت ولا تزال هي المعلم الاول للانسان وملهمه الرئيسي، حيث ان العديد من الاختراعات ما هي الا تقليد لاشياء موجودة في الواقع او يتطلبها الواقع.وفي الآونة الاخيرة عاد العلماء من جديد لاستلهام المبتكرات والاختراعات من الطبيعة بعد العزوف عن ذلك لفترات كبيرة، و تيقن الجميع ان الطبيعة يمكن ان تقدم لنا مخترعات هائلة وابتكارات مهمة.

ولذا فان علم ال'بيوميميتيك' او علم 'محاكاة الطبيعة' عاد من جديد ليصبح في بؤرة اهتمام عدد ليس بالقليل من العلماء محاولين من خلاله فهم التركيبات الطبيعية واعادة استخدامها في حياتنا بانتاج تطبيقات مفيدة.
ويعد شريط اللصق فيلكرو المستخدم بشكل كبير في صناعة الاحذية من اشهر تطبيقات هذه التقنية. وقد استغرقت فكرة هذا الاختراع من العالم السويسري جورج دي ميسترال ما يقرب من ثماني سنوات حتى استطاع ان يطبقة بشكل واقعي.
وبدأت هذه الفكرة عندما لاحظ العالم السويسري بذور النباتات الشائكة وهي تلتصق بكل ما يقترب منها من الياف او ملابس او حشرات. بالتأمل استطاع العالم ان يحول هذه الظاهرة الى تطبيق مفيد نستطيع استخدامه في حياتنا العملية.

الذكاء الصناعي والشبكات الصناعية

يعتبر الذكاء الصناعي احد اهم الامثلة على محاكاة الطبيعة، ففي عام 1940 بدأت اولى المحاولات لبناء تصميم نظام يفكر، يمكنه استخدام المنطق في عملياته بدلا من فكرة العلاقة الثابتة بين الرموز وردود الافعال اي نظام اشبه بالجهاز العصبي لجسم الانسان.
وتمخضت هذه المحاولات عن ابتكار الشبكات العصبية لمحاولة محاكاة شكل وترتيب وطريقة عمل الخلايا في الجهاز العصبي للانسان.
و من المعروف ان الخلية العصبية تتركب من جسم يحتوي على نوى وتمتد منه ساق طويلة وتتصل الخلايا العصبية ببعضها عن طريق هذه السيقان بافراز كيماوي يعمل كموصل فينقل الاشارات بين الخلايا. لذلك فالتواصل في الجهاز العصبي عملية كهروكيميائية.
وكمحاكاة لهذه الالية فان الشبكات العصبية تعتبر تقليدا لهذا النموذج الطبيعي حيث تقسيم الشبكات الى وحدات يعد كل منها نموذجا لخلية عصبية مبسطة. وفي عام 1940 نجح عالمان هما ماكلوش وبيتس في عمل شبكات الكترونية بسيطة تحاكي في تصميمها الخلايا العصبية بصورة بدائية وتستطيع القيام بالحسابات المنطقية.
وفي الخمسينات من القرن المنصرم بدأ علماء الذكاء الاصطناعي محاولة بناء آلة ذكية تحاول تقليد المخ البشري وتعد المحاولة التي قام بها روزنبلات عام 1957 لبناء نموذج مبسط لشبكية العين اكثر تعقيدا هي اهم المحاولات في هذا المجال ويعتبرها العلماء الاب الشرعي للشبكات العصبية الحديثة لانها تحتوي على مكبرات استطاعت التعرف على اشكال او صيغ الاشارات ليمكن تصنيفها او تمييزها او تجميعها. وقد اشتد الاهتمام بها في الثمانينات وحتى الان بصورة كبيرة ومتطورة.

البيوميميتيك يوفر المياه

'الطبيعة تصلح نفسها' فكرة عظيمة يدرسها الباحثون حاليا، ومن الامثلة عليها عندما يجرح شخص او ينكسر عود لنبات ما. وبعد دراسة طويلة امكن تقليد ذلك معمليا، واستطاع العلماء اصلاح ثقوب في انسجة تصل الى 5 ملليمترات باستخدام الوسيلة نفسها الموجودة في الطبيعة.
ومن خلال هذه الفكرة استطاع العلماء نقل السوائل الى اعلى بلا مضخات ولا قوة دفع مثل نبات الليانا المتسلق الذي تنتقل المياه داخله الى اعلى حتى مسافة كيلومتر. وقد يساعد تطبيق هذه التقنية في الزراعة على توفير المياه المطلوبة وتقليل الكميات المبددة منها. ويقول الدكتور توماس شتيجماير من معهد دينكندورف بالمانيا ان هذه الانظمة ستعمل على تقليل تبديد المياه وتوفر الطاقة المستخدمة في المضخات. ومن اجل الانتفاع بهذه الامكانات التقنية والمجالات التي يمكن ان تفتحها هذه التقنية.
ومن الجدير بالذكر ان المانيا خصصت ما يقرب من50 مليون يورو لهذه الابحاث لانها ابحاث تستحق الاهتمام بشكل كبير.

آلات تصوير من عين حشرة

قال علماء في الولايات المتحدة انهم استطاعوا ابتكار الات تصوير فائقة الدقة على شكل عين حشرة استمدوا فكرتها من عين حشرة طبيعية وتحتوي العين الصناعية على 8500 عدسة على شكل سداسي وبحجم لا يزيد على حجم راس دبوس.
وبالنتيجة فقد تمكن مهندسو علم الاحياء من التوصل الى طريقة رخيصة وسهلة نسبيا لابتكار عيون صناعية يمكن ان تحاكي في ادائها العيون الطبيعية ولو بشكل جزئي.
و يقول العلماء انه يمكن توصيل هذه العين بجهاز لاستشعار وجود الصور شبيه بذاك الذي يستخدم في آلات التصوير الرقمية.
وستسمح ايضا هذه التقنية بوضع العين في اجهزة استطلاع ذات دقة عالية وفي اتجاهات مختلفة. وستستخدم ايضا في آلات التصوير البالغة الحساسية وفي اجهزة الرصد السريعة فائقة السرعة.
وابدت وحدة البحوث العسكرية الاميركية والمسماة بوكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتطورة اهتماما في مشروع العين الجديدة وقامت بتمويل بعض جوانب البحث. ويأمل العلماء ان تساعد هذه التقنية على تطوير شبكيات اصطناعية لزرعها في عيون العميان.

طوربيد على شكل سمكة

تبلغ سرعة الطوربيدات التقليدية حوالي 130 كلم/ ساعة فقط، ويقول الخبراء ان الاحتكاك بالماء يعد العامل الاساسي الذي يواجه صناعة الطوربيدات. وتم الاعلان اخيرا عن طوربيد اراكودا وهو مشروع مشترك بين القوة البحرية الالمانية وشركة ديل بي جي تي ديفنس الشهيرة في عالم تقنية صناعة الاسلحة.
و تقول شركة ديل على موقعها على الانترنت انها استلهمت تصميم الصاروخ المائي وتقنيته من سمكة باراكودا التي تتسم بالعدوانية وتنتمي الى صنف سمك الكركي السهمية. وتنتشر هذه النوعية من الاسماك في المحيط الاطلسي وقرب سواحل اليابان واستراليا. ويتراوح طولها بين 30 و100 سم عند سواحل اليابان، في حين انه يرتفع الى 3 امتار عند السواحل الاسترالية. والمعتقد ان العديد من الهجمات التي تنسب الى سمك القرش في هذه المناطق سببها هجمات الباراكودا ذات الاسنان المدببة كالخناجر. وهناك 18 نوعا من الباراكودا السهمية الشكل وذات الرأس المدبب الذي يعتقد انه سر سرعتها مقارنة ببقية الاسماك

و الآن مع الفلم الوثائقي للعالم الكبير هارون يحيى