خواطر 06 الحلقة 14 - أوتش موتش

عباس بن فرناس


هو ابو القاسم عباس بن فرناس المخترع الأندلسي والفيلسوف الشاعر الذي عاش بعصر الخليفة الاموي الحكم الأول و عبد الرحمن الثاني ومحمد الأول في القرن التاسع للميلاد وشاعر بلاط الأمويين في إمارة قرطبة ، شخصية عربية فذة ، اهتم بالرياضيات و الفلك و الفيزياء ، واشتهر بمحاولته الطيران اذا هو اول طيار في التاريخ . توفي في حدود عام 888 م. 



إن يركب الغرب متن الريح مبتدعا
ما قصرت عن مداه حيلة الناس
فإن للشرق فضل السبق نعرفه
للجوهـري وعباس بن فرناس
قد مهَّدا سبلاً للناس تسلكهـا
إلى السماء بفضل العلم والباس

قامت بداية الحضارة الأولى محاكاة للطبيعة، من حيوان ونبات وغيرهما؛ لذلك حاول الإنسان القديم تقليد الحيوان في جملة من أنماط حياته، والطيران من هذه الأنماط التي حاكى بها الإنسان الطير.
ثم تاقت نفسه إلى ارتياد عالم الجو، وهي مجهولة عنده، فنهضت محاولات بدائية لتحقيق فكرة الطيران، كما وضح من كشف حضاري جديد، قام به العالم الطبيب هافير كابريردارك، الذي درس حضارة الإنسان القديم في بيرو، ورأى أن إنسان النياندرتال، قد أفلح في تدجين الحيوان الطائر المعروف بـ "الرتيلاء" حيث استخدمه في الطيران، وافترض أن تكون هناك في أراضي بيرو شوارع منظمة تشبه المطارات اليوم.. وهذه فرضية علمية لو صحَّت لغيرت معالم تاريخ الحضارة البشرية؛ إذ إن تاريخ نشوء هذه الحضارة يعود إلى 150 - 200 ألف سنة من عمر الزمن.
ثم عرفت حضارات أخرى عالم الطيران، وذلك في دنيا الخيال والأسطورة كما هو الشأن في الأسطورة اليونانية، التي تقول إن رجلاً يدعى: "ددالوس" وولده "إيكاروس" حاولا الطيران، واستعمل كل منهما جناحين من أجنحة الطيور، وثبتاها في جسميهما بالشمع، وطار "ددالوس" بأمان إلى أن صهر الشمع، فسقط في البحر ومات غرقاً.
وبقى غزو الفضاء عند الإنسان ضربًا من الخرافة، وعاش في عالم الأحلام والأساطير، حتى عرفت الحضارة الإسلامية عالم الفضاء وفق أسس علمية مدروسة، منزهة عن ترهات الخرافة والأوهام.
فكانت مباحث أولاد موسى، وثابت بن منصور والخوارزمي والبتاني، ويحيى بن منصور بداية لتطور علم الفضاء عند المسلمين، ثم شد من أزر هذه الطائفة من علماء المسلمين، جهد علماء الفلك المسلمين، بدراساتهم العميقة في "علم الفلك" ، وفي أفياء الحضارة الإسلامية، نهض علماء أفذاذ إلى إجراء التجارب في عالم الطيران. وهذه البدايات كانت المحاولات الرائدة في ارتياد عالم الفضاء.
ومن هؤلاء الرواد الأوائل الذين تدين لجهودهم العلمية حضارة اليوم بالفضل، عالم مسلم فذ، عالج فنونًا من شتى أبواب المعرفة، واشتغل في صناعات مختلفة، حتى عرف بـ "حكيم الأندلس" والحكمة تطلق عند المسلمين على الاشتغال بصنعة الكيمياء والطب. فمن هو حكيم الأندلس؟
هو أبو القاسم، عباس بن فرناس بن فرداس، من أهل قرطبة، وابن فرناس، رجل متعدد المواهب العلمية، فهو: فيلسوف، وكيميائي، وفيزيائي، وفلكي، ذاع نجمه في الأندلس، وفي قرطبة ، وعايش ثلاثة من خلفاء بني أمية، وهم: الحكم بن هشام، وولده عبد الرحمن بن الحكم، وحفيده محمد بن عبد الرحمن. وقد ضنت مظان الفكر الإسلامي على إيضاح معالم حياة هذا العبقري الفذ، فتخارست عن تبيان نشأته ومعرفة حياته. 
 

نشأته

 ولد عباس ابن فرناس عام 810 هـ، نشأ وتعلم في قرطبة منارة العلم وبلد الصناعات، نشأ في برابرة تاكرتا التي قصدها العرب والعجم لتلقي جميع أنواع العلوم وكان أساتذة بيكون عالم أربا المشهور يتعلمون في الأندلس. تعلم ابن فرناس القرآن الكريم ومبادئ الشرع الحنيف في كتاتيب (تاكرتا) ثم التحق بمسجد قرطبة الكبير ليتضلع وينهل من معارفه ثم خاض غمار المناظرات والمناقشات والندوات والخطب والمحاورات والمجادلات في شتى فنون الشعر والأدب واللغة، ولتوقد ذهنه كان أدباء الأندلسوالصناعات وكل المعارف الدقيقة والآداب الرفيعة وكان رائد محاولة تطبيق العلم على العمل ولهذا استحق ان يلقب بالطائر الادمي.

 

الرائد الأول للطيران 

من الواضح أن ابن فرناس لم يقم بتجربته الرائعة بوحي من الخيال، إنما قام بها على أساس من البحث والدرس في ميادين العلم، وبخاصة في الفلك والفيزياء.
وكان كثيراً ما يقوم بشرح نظريته في الطيران لرواد منتديات الخلافة في قرطبة.. نتيجة لدراساته في الرياضيات والفلك.. لذلك قام بتجربته الخطرة، أمام جمٍّع غفير من أهالي قرطبة، وفيها ما فيها من إيماءات علمية نادرة، فضلاً عن كونها مغامرة بارعة "فاحتال في تطيير جثمانه، وكسا نفسه الريش على الحرير، فتهيأ له أن استطار في الجو ، فحلق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة".
وهذا النص يكفي لتفسير أبعاد هذه التجربة العلمية الفذة، حيث إن ابن فرناس بناها عل دراسة فائقة في الفيزياء والفلك. وفي العصر الحديث، نتذكر أمر الطائرات الشراعية، واتخاذ مظلات الهبوط من الحرير.
ومحاولة ابن فرناس هذه بداية الطريق لولوج عالم الفضاء، وربما كان أثر الحسد الذي ناله من بعض معاصريه قد منعه من إعادة تجربته على أساس جديد من العلم، حيث إنه لم يحسن الاحتيال في هبوطه، فتأذى في مؤخره، وقد تناقل المؤرخون مقولة إنه: لم يدر أن الطائر إنما يقع على زمكه (ذيله) ولم يعمل له ذنبًا.. وذكروا قول مؤمن بن سعيد أحد شعراء عصره.. وهو الذي يسخر فيه منه:



بطم على العنقاء في طيرانها إذا ما كسا جثمانه ريش قشعم


وهذه المقولة من نسيج خيال المؤرخين؛ لأن الرجل الذي يتخذ من الحرير والريش جناحين له كان يعلم السر في خفة هذين النوعين.. ولا يمكن أن يخفى عليه صنع الذيل.. كما أنه كان يشرح للخليفة كيفية طيران الطير ، ولبراعة ابن فرناس في علم الفلك، تمكن من صنع هيئة السماء في بيته، وخيَّل للناظر فيها النجوم والرعود والبروق والغيوم.
وتبع ابن فرناس، عالمان عربيان آخران، الأول أبو العباس الجوهري، العالم اللغوي صاحب معجم (تاج اللغة وصحاح العربية/ الصحاح) المُتَوَفَّى سنة 393هـ فقد قام الجوهري بتجربته الفريدة هذه في نيسابور؛ حيث صنع جناحين من خشب وربطهما بحبل، وصعد سطح مسجد بلده، وحاول الطيران، أمام حشد من أبناء مصره، إلا أن النجاح لم يحالفه فسقط شهيد العلم.
والعالم الثاني، لا تذكر مظان التاريخ اسمه، عاش هذا العالم في مدينة القسطنطينية، فدرس التجارب التي قام بها من سبقه من الرواد فتوصل إلى أن أجنحة الريش لا تصلح لطيران الإنسان، ورأى أن يصنع أجنحة من القماش فقام بتجربة أمام الناس، وكان من بينهم الإمبراطور البيزنطي كوفينوس ونخبة من حاشيته فحاول الطيران من رأس برج عال، إلا أن أمله تحطم بعد أن أسلم نفسه للريح، حيث إن جناحي الخشب لم يقويا على حمله، وكان ذلك في حدود سنة 1100م.
فهؤلاء الثلاثة، هم رواد الفضاء، ولهم يعود الفضل الكبير في تقدم علوم الفضاء، التي أخذت تتطور طيلة ثمانية قرون، حتى تمكن الأخوان أورفيل و ويلبر رايت من الطيران بواسطة الطيران الآلي.

 

أهم إنجازاته

لابن فرناس إنجازات علمية عديدة منها: صنعة الميقاتة وهى آلة لقياس الوقت وصنع أيضا فى بيته ما يشبة القبة السماوية. الجدير بالذكر أن أسم ابن فرناس أطلق على إحدى فوهات القمر (فوهه ابن فرناس).

 

منهجه في الطب والصيدلة

درس عباس بن فرناس الطب والصيدلة وأحسن الإفادة منهما فقد عمدا إلى قراءة خصائص الأمراض وأعراضها وتشخيصها واهتم بطرق الوقاية من الأمراض عملاً بقولهم درهم وقاية خير من قنطار علاج، ثم قام بدراسة وتجارب علاج من أصيب بالأمراض على مختلف أنواعها ثم أجرى الدواء.
قالت العبقرية (د. رحاب خضر عكاوي) درس خصائص الأحجار والأعشاب والنباتات ووقف على خواصها المفيدة في المعالجة وكان في سبيل ذلك يقصد المتطببين والصيادلة ويناقشهم فيما بدا له من اطلاعه في هذه الصنعة الجليلة التي تحفظ البدن وتقيه من آفات الأدواء والأعراض وقد اتخذه أمراء بني أمية في الأندلس طبيباً خاصا لقصورهم، انتخب من مجموعات من الأطباء المهرة لشهرته وحكمته وأسلوبه الجاذب عند إرشاداته الطبية الخاصة بالوقاية من الأمراض وإشرافه على طعام الأسر الحاكمة لإحراز السلامة من الأسقام والأمراض فلا يحتاج إلى المداواة إلا نادراً، فإذا حصل ما يكرهون من المرض دلهم على أنجع الطرق في المداواة ولم يكن ابن فرناس يقنع بكل ما كتبه الناس من نظريات بل ألزم نفسه إلقاء التجارب ليتحقق من صحة كل نظرية درسها أو نقلها من غيره ليرقي بها إلى مرتبة الحقيقة العلمية أو ينقضها، وقد شجب القبول والقناعة بالأمور الظاهرة المبسطة المقدور على النظر والبحث فيها، كان ابن فرناس يغوص في تحقيق ما علم وكان يطبق النظريات العلمية على منهج علمي في كل العلوم وأهمها الطب والصيدلة وخاصة دراسة الأعشاب.

الصناعات الفلكية

الميقاته: كان أول من صنع الميقاته لمعرفة الأوقات كما جاء في الأعلام لمعرفه اوقات الصلاه ومعرفه الايام ومعرفه وقت الشروق والغروب.

 

المنقلة: قال (إدريس الخرشاف) كما اشتهر بصناعة الآلات الهندسية مثل المنقالة (آلة لحساب الزمن) (نموذج بالمسجد الكبير بمدينة طنجه) واشتهر بصناعة الآلات العلمية الدقيقة.

 

ذات الحلق: اخترع آلة صنعها بنفسه لأول مرة تشبه الإسطرلاب في رصدها للشمس والقمر والنجوم والكواكب وأفلاكها ومداراتها ترصد حركاتها ومطالعها ومنازلها والتي عرفت بذات الحلق.

 

القبة السماوية: الناس كانت تقصد منزله لا لطلب الطب فحسب، بل لمشاهدة ما اتخذه عباس من رسم جميل بديع في منزله فقد مثل هيئة السماء بنجومها و غيومها و بروقها و رعودها و الشمس و القمر و الكواكب و مداراتها كما ذكر الزركلي و غيره من المؤرخين و المترجمين للعباس بن فرناس أمثال صاحب عباقرة الإسلام د. رحاب خضر عكاوى. و قد وصف الشعراء المعاصرون له هذه اللوحة العجيبة مؤكدين أنه جعل في أعلاها نجوماً و غيوماً تبدوا كأنها حقيقة فعدوا ذلك من عجائب الصنعة و بديع الابتكارات.

 

اختراع صناعة الزجاج من الحجارة والرمل  

أجمع المؤرخون أن العباس بن فرناس كان أول من استنبط في الأندلس صناعة الزجاج من الحجارة والرمل فانتشرت صناعة الزجاج لما رأى الناس أن المادة أصبحت في متناول الغني والفقير، وسبب عناء ابن فرناس هو التسهيل على الناس وأول من استفاد من تجارب ابن فرناس هم أهل الأندلس و يرجع ذلك إلى سبب اهتمامه الشديد بصناعة الكيمياء.

 

الطيران

يعتبر أول من اخترق الجو من البشر وأول من فكر في الطيران واعتبره المنصفون أول رائد للفضاءوأول مخترع للطيران، فقد كسا نفسه الريش و مد له جناحين طار بهما في الجو مسافة بعيدة ثم سقط فتأذى في ظهره
(و قيل انه كسر ضلعاً من أضلاعه فقط) وكان عمره وقتها يقارب الـ65 لأنه لم يعمل له ذنباً وقد وصف شعراء عصره هذا الطيران وأسهبوا في الثناء عليه. قال الزركلي قد كتب أحمد تيمور باشا بحثاً قال فيه لا يغض من اختراع ابن فرناس الطيران تقصيره في الشأن البعيد فذلك شأن كل مشروع في بدايته.
من الواضح حسب المصادر أن عباس بن فرناس قام بتجربته في الطيران بعد أبحاث وتجارب عدة، وقد قام بشرح تلك الأبحاث أمام جمع من الناس دعاهم ليريهم مغامرته القائمة على الأسس العلمية. يقول ابن سعيد في "المغرب في حلى الغرب «ذكر ابن حيان: أنه نجم في عصر الحكم الربضي، ووصفه بأنه حكيم الأندلس الزائد على جماعتهم بكثرة الأدوات والفنون، وكان فيلسوفاً حاذقاً، وشاعراً مفلقاً، وهو أول من استنبط بالأندلس صناعة الزجاج من الحجارة، وأول من فك بها "كتاب العروض للخليل، كثير الإختراع والتوليد، واسع الحيل حتى نسب إليه عمل الكيمياء، وكثر عليه الطعن في دينه، واحتال في تطيير جثمانه، فكسا نفسه الريش على سرق الحرير، فتهيأ له أن استطار في الجو من ناحية الرصافة، واستقل في الهواء، فحلق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة». يعتبره المسلمون كما ورد أول إنسان يحاول الطيران، 1000 قبل كليمون ادار.
قام عباس بن فرناس بتجارب كثيرة، درس في خلالها ثقل الأجسام ومقاومة الهواء لها، وتأثير ضغط الهواء فيها إذا ما حلقت في الفضاء، وكان له خير معين على هذا الدرس تبحره في العلوم الطبيعية والرياضة والكيمياء فاطلع على خواص الأجسام، واتفق لديه من المعلومات ما حمله على أن يجرب الطيران الحقيقي بنفسه، فكسا نفسه بالريش الذي اتخذه من سرقي الحرير (شقق الحرير الأبيض) لمتانته وقوته، وهو يتناسب مع ثقل جسمه، وصنع له جناحين من الحرير أيضاً يحملان جسمه إذا ما حركهما في الفضاء، وبعد أن تم له كل ما يحتاج إليه هذا العمل الخطير وتأكد من أن باستطاعته إذا ما حرك هذين الجناحين فإنها سيحملانه ليطير في الجو، كما تطير الطيور ويسهل عليه التنقل بهما كيفما شاء.
من المصادر أن بن فرناس صنع آلة للطيران بعد دراسة وتشريح ميكانيكا الطيران عن الطيور وأفلح في طيرانه ولكنه بعدما نزل حوكم بتهمة التغيير في خلقة الله وتم عزله في بيته
بعد أن أعد العدة أعلن على الملأ أنه يريد أن يطير في الفضاء، وأن طيرانه سيكون من الرصافة في ظاهر مدينة قرطبة، فاجتمع الناس هناك لمشاهدة هذا العمل الفريد والطائر الآدمي الذي سيحلق في فضاء قرطبة، وصعد أبو القاسم بآلته الحريرية فوق مرتفع وحرك جناحيه وقفز في الجو، وطار في الفضاء مسافة بعيدة عن المحل الذي انطلق منه والناس ينظرون إليه بدهشة وإعجاب وعندما هم بالهبوط إلى الأرض تأذي في ظهره، فقد فاته أن الطائر إنما يقع على ذنبه، ولم يكن يعلم موقع الذنب في الجسم أثناء هبوطه إلى الأرض، فأصيب في ظهره بما أصيب من أذى.(و قيل أيضا انه اصيب بكسر في ظلعه).