خواطر 06 الحلقة 28 - السياق

نشأة الحضارة الإسلامية و تطورها 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحبه ومن تبع هديه إلى يوم الدين .. وبعد ..
فقد تحدثنا في المحاضرة السابقة عن ماهية الحضارة الإسلامية ، وقلنا : إنها تتسع لتشمل سائر الأنشطة العملية والعلمية والفكرية والسلوكية التي قام بها المسلمون ؛ تطبيقا لتعاليم الإسلام التي أوحى بها الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، واليوم بمشيئة الله سبحانه وتعالى نتحدث عن نشأتها وتطورها ، فنقول : إن الحضارة الإسلامية نشأت مع بِدء بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث نزل قول الله سبحانه وتعالى : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي ، عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق : 1 - 5] وكانت بدايتها بتوجيه منه عز وجل ..
 ومع إن الحضارات السابقة كانت تبدأ أولا بالمهن والحرف المختلفة ، أي بتوجه مادي صرف ، فتنشأ مثلا الزراعة ، ثم يحتاج الإنسان للتصرف في منتجات تلك الزراعة ، فيصنع منها أشياء جديدة ، كالخبز والزيوت والعصائر والسكر والمعاجين ( أي المربات ) والملابس القطنية والكتانية ، وغير ذلك مما نعرفه من الصناعات الزراعية ، ثم يجد الوفرة في إنتاجه الزراعي والصناعي فيتبادله مع الآخرين عن طريق التجارة ..
أقول : كانت تنشأ الحضارات ماديا هكذا ، ثم تنتقل إلى الجانب العلمي والروحي الذي ينظم مسارها ، إلا أن الحضارة الإسلامية بدأت بالجانب العلمي والروحي أو المعنوي أولا لتنتقل منه إلى الجانب المادي ..
كما أن العلم الذي نشأت عليه الحضارة الإسلامية لم يكن مجرد علم ظني ، وإنما هو علم يقيني ، مصدره الله سبحانه وتعالى وبوحي منه ، وبدأ بعرض ملخص لحياة الإنسان وتجاربه منذ نشأته ليكون أساسا يُبنى عليه .
حيث كان الوحي ينزل بتتابع على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليصنع الإنسان المسلم الكامل في عقيدته وأخلاقه ؛ ليكون نموذجا للإنسان الذي سيصنع تلك الحضارة ، فبدأ بتزكيته وتطهيره من الأدناس المادية والمعنوية ، فقال سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي سيكون أسوة لكل مسلم : " وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر : 4 5] ..
وبعد طهارة الإنسان من دنسه وهجره للأوثان والأصنام انتقل به إلى توحيد الله سبحانه وتعالى ، والتخلص من أي معبودات أخرى ، سواء أكانت في صورة آلهة صماء أو بشر متألهين ، وكان شعار النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي رفعه للناس : " قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " ..
وبعد استقامة من اتبعوه على التوحيد أمرهم صلى الله عليه وسلم بالاتجاه إلى الله بالصلاة لتزداد صلتهم به ، ويتدربوا على عدم الخضوع لغيره من المخلوقات ما دام ركوعهم وسجودهم له وحده دون سواه ، وفي تلك الصلاة أيضا تعلموا النظافة التي هي أساس الحضارة من خلال ملازمتهم للوضوء عند كل صلاة ، وتعلموا النظام التام من خلال وقوفهم صفوفا متراصة خلف الإمام في كل صلاة ، يأتمون به في قيامهم وركوعهم وسجودهم ، هذا النظام الذي انتقل من الصلاة ليلازمهم في كل شئون الحياة ، حتى وقت القتال ، حيث أمرهم الله سبحانه وتعالى به فقال : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف : 4]..
 ثم جاءت المرحلة الرابعة وهي تهذيب أخلاقهم وطبائعهم وتحليتهم بالأخلاق الحميدة التي هي شعار الإنسان المتحضر بحق ، حيث كان النبي محمد صلى الله عليهم وسلم يلتقي بهم بين الحين والحين ، فيرغبهم في مكارم الأخلاق، و بلغ من كثرة حثه عليها أن جعلها غاية رسالة الإسلام فقال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ " سنن البيهقى .
وانتقل بهم إلى المرحلة الخامسة ، وهي العمل على نشر التكافل والترابط بين أفراد المجتمع المسلم ، حيث كان يعلمهم أن : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » صحيح مسلم ..
ثم غرس فيهم عاطفة الحب بينهم ، وعلمهم أن ذلك مما يحقق الإيمان فقال صلى الله عليه وسلم : " لن تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على ما تحابوا عليه قالوا : بلى يا رسول الله قال : أفشوا السلام بينكم " .
وبعد الهجرة إلى المدينة انتقل النبي صلى الله عليه وسلم من مرحلة بناء الفرد إلى مرحلة بناء المجتمع الذي سينشئ الحضارة الإسلامية ، لأن الحضارة كما قلنا من قبل لا تنشأ إلا من خلال المجتمع المستقر ، فوضع بتوجيه من وحي الله سبحانه وتعالى ( القرآن الكريم ) الدستور الذي ينظم علاقة المسلمين بعضهم ببعض وعلاقتهم بغيرهم ، ثم وضع الدستور الذي يجعل من المجتمع المدني المتعدد الأعراق { حيث كان فيه المسلمون الأنصار ( الأوس والخزرج ) والمسلمون المهاجرون من مكة والمسلمون المهاجرون من القبائل العربية الأخرى واليهود بطوائفهم المختلفة ومشركو المدينة والمنافقون } وصارت المدينة المنورة بذلك مثالا يحتذى لكل مجتمع متعدد الأعراق والديانات ويطمح في الانسجام والوئام .
وبعد ذلك بدأ صلى الله عليه وسلم مع تتابع نزول القرآن الكريم عليه في وضع قواعد السلم والعرب والبيع والشراء والتبادلات والتعاملات المالية ..
وبعد الفراغ من بناء المجتمع المدني وظف هذا المجتمع في إنشاء الحضارة الإسلامية ، فأقيمت الكتاتيب لتعليم القراءة والكتابة ومبادئ الحرف والمهن المختلفة ، والحلقات لتعليم العلم ..
ثم بدأ صلى الله عليه وسلم بالاهتمام بالجانب المادي من الحضارة ، فحث على الزراعة عماد الإنتاج فقال صلى الله عليه وسلم : « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَزْرَعُ زَرْعاً أَوْ يَغْرِسُ غَرْساً فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ » مسند أحمد ..
وطالب المسلمين بالاعتناء بها وعدم إهمالها مهما كانت الظروف ، فقال صلى الله عليه وسلم : " " إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها" صحيح الأدب المفرد..
ولكي لا تكون دعوته مجرد كلام نظري باشر بنفسه العمل بالزراعة رغم كثرة أشغاله ، يقول سلمان الفارسي رضي الله عنه : كاتبت أهلي ( من كان يعمل أجيرا أو عبدا لديهم )على أن أغرس لهم خمسمائة فسيلة فإذا علقت فأنا حر ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : « اغرس واشترط لهم ، فإذا أردت أن تغرس فآذني » فجاء فجعل يغرس إلا واحدة غرستها بيدي .. " المستدرك على الصحيحين للحاكم - (6 / 488)..
ثم انتقل بعد ذلك إلى الحث على الطور الثاني من طور الحضارة المادية ، وهو الصناعة وإتقان كل مسلم لحرفته فقال : "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" مسند أبي يعلى - (7 / 349) وجاء في الأثر : " إن الله تعالى يحب الصانع المتقن في صناعته" .
وقد حث صلى الله عليه وسلم المسلمين على الاستفادة من خبرة الآخرين في هذا المجال ، فقد سبي يوم خيبر ثلاثون قينا ، وكانوا صناعاً وحدادين ، فقال صلى الله عليه وسلم : اتركوهم بين المسلمين ، ينتفعون بصناعتهم ، ويتقوون بها على جهاد عدوهم ، فتركوا لذلك ، فمن تعلم عليهم سمي صانعاً أو معلماً..
ونبه صلى الله عليه وسلم إلى استخدام الصناعات الوطنية دون غيرها تشجيعاً لها ، فقد قال علي رضي الله عنه : " كانت بيد رسول الله قوس عربية ، فرأى رجلاً بيده قوس فارسية فقال : ما هذه ؟! ألقها وعليكم بهذه وأشباهها ورماح القنا ، فإنها يزيد الله لكم بها في الدين ويمكن لكم في البلاد" سنن ابن ماجة ..
ولما كانت الحضارة المادية ـ كما أشار ابن خلدون من قبل ـ غالبا ما تتسبب في فساد الجانب الروحي لدى الإنسان وتصيبه بالترهل لذلك وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ضاعف من الاهتمام به بعد الهجرة للمدينة وقيام دولته ، وزاد عليه بوحي من الله سبحانه وتعالى أخلاقا تسمو بها ، وتجعله مثالا للإنسان المتحضر المرهف الإحساس مثل : العفة والحياء وغض البصر والاستئذان عند دخول البيوت والمنازل وغض البصر والسماحة واللين والرحمة والعفو عند المقدرة وبر الوالدين وتقدير كبار السن والعطف على الصغار والرحمة بالحيوان وإعطاء النفس حظها من الترويح المباح واللهو التريض والتجمل والتزين والتعطر وغض الصوت ، وغير ذلك مما هو مبسوط في كتب السيرة العهد المدني ، مما يؤكد أن مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم بلغ درجة الكمال في الجانب الروحي أو المعنوي من الحضارة ؛ حتى صار المجتمع المسلم نموذجا مثاليا في الرقي الحضاري في هذا الجانب .

ماهية الحضارة الإسلامية   
الحضارة في اللغة مشتقة من الفعل حضر ، وهي ضد البداوة ، وقد جاء في كتاب "الصحاح في اللغة " الحَضَرُ خلاف البَدْو ، والحاضِرُ خلاف البادي ، والحاضِرةٌ خلاف البادية، وهي المدن والقرى والريف، ويقال: فلانٌ من أهل الحاضِرَةِ ، وفلان من أهل البادية، وفلان حَضَريٌّ وفلان بدويٌّ ، والحاضِرُ: الحيُّ العظيم ، وفي كتاب " القاموس المحيط " الحَضَرُ والحَضْرَةُ والحاضِرَةُ والحِضارَةُ أو الحَضارة خِلاَفُ البادِيَةِ ، والحَضارَةُ الإقامَةُ في الحَضَرِ ، وفي كتاب " لسان العرب " الحاضِرَةُ سميت بذلك لأَن أَهلها حَضَرُوا الأَمصارَ ومَساكِنَ الديار التي يكون لهم بها قَرارٌ..
ويفهم من هذا أن كلمة الحضارة كانت معروفة عند العرب منذ القدم ، ولكنهم كانوا يقصرون إطلاقها على تمصير البلاد وتعميرها ، حتى جاء العلامة ابن خلدون وتوسع في معناها ، حيث قال : الحضارة هي تفنن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه من المطابخ والملابس والمباني والفرش والأبنية وسائر عوائد المنزل وأحواله.
ولذلك فهي تختلف من بلد لآخر حسب تفنن الناس في تلك الأمور ، يقول ابن خلدون : وذلك يدل على أن أحوال الحضارة ناشئة عن أحوال البداوة ، وأنها أصل لها.. ، ثم إن كل واحد من البدو والحضر متفاوت الأحوال من جنسه ؛ فرب حي أعظم من حي، وقبيلة أعظم من قبيلة، ومِصر أوسع من مصر، ومدينة أكثر عمراناً من مدينة ، فقد تبين أن وجود البدو متقدم على وجود المدن والأمصار وأصل لها، بما أن وجود المدن والأمصار من عوائد الترف والدعة التي هي متأخرة عن عوائد الضرورة المعاشية.
ومن العجب أن ابن خلدون قد ذكر منذ وقت مبكر أن توسع الناس في الحضارة بهذا المفهوم المادي الذي ذكره رغم أنه يؤدي إلى رفاهيتهم إلا أنه مفسد لهم فقال : ولما تناقص الدين في الناس ، وأخذوا بالأحكام ( القوانين ) الوازعة، ثم صار الشرع علماً وصناعة يؤخذ بالتعليم والتأديب ، ورجع الناس إلى الحضارة ، وخلق الانقياد إلى الأحكام نقصت بذلك سورة البأس فيهم.
 وفي العصر الحديث توسع العلماء في تعريف الحضارة لتشمل كل أنواع النشاط الإنساني بمختلف صوره المادية والمعنوية ، وما وصلت إليه الأمم في نواحي نشاطها الفكري والعقلي.
فالمزارع وما يُشق لها من ترع وأنهار ، وما يقام عليها من سدود ومساقي ، وما ينتج فيها من زروع وثمار ، وما يبتكر لها من نظم في الري والبذر والحصاد ، والمصانع وما تنتجه من سائر المصنوعات ، وما يخترع لها من مكينات ومعدات ، وما يوضع في فنونها من مصنفات ، والمتاجر وما يسن لها من نظم التعامل والتبادل ، والمدارس والمعاهد والجامعات وما يدرس فيها ، والمساجد والمعابد والمستشفيات والمتنزهات والحدائق والطرق والأرصفة والبيوتات ، وما يتم فيها من أنشطة هي جزء من الحضارة ، فضلا عن العلوم والفنون والنظم والقوانين التي تسير وتنظم وتُحكم أمور العباد .
وأي مجتمع يقوم بتلك الأمور أو بعضها يسمى مجتمعا حضاريا ، وتنسب إليه تلك الحضارة، فيقال : مثلا : الحضارة المصرية القديمة ، ويقصد بها الأنشطة والأفعال والابتكارات والأنظمة التي وضعها المصريون القدماء ، ويقال : الحضارة الفينيقية ، ويقصد بها ما أُثر عن الشعب الفينيقي القديم ، ويقال : الحضارة اليونانية ، ويقصد به تراث اليونانيين ، وهكذا .. وتعظم تلك الحضارات أو تحقر بحسب ما تقدمه من نفع للبشرية ، فهذا هو المقياس الوحيد لتقييمها .
فمنها الحضارات المتواضعة ، ومنها الحضارات الجليلة العظيمة ، ومنها الحضارات المؤقتة المحلية ـ أي المرتبطة بزمان ومكان معين ، فلا تصلح لزمان ومكان غيره ، ومنها الحضارات العالمية التي تفيد الناس في كل زمان ومكان ، ومنها الحضارات النافعة ، ومنها الحضارات الضارة ، التي لا تجلب للبشرية إلا الدمار والهلاك ، والتعاسة والشقاء .
ومنها الحضارات المادية البحتة التي تهتم بالجانب المادي أو الجسماني في الإنسان ، فلا تشبع إلا ملذاته وشهواته ، ومنها الحضارات الروحية التي لا تنشغل إلا بالجانب الروحي فقط ، ومنها الحضارات التي تهتم بالجانب المادي والروحي على السواء .
وبناء على التعريف السابق يمكن أن نعرف الحضارة الإسلامية بأنها كل الأنشطة المادية والمعنوية التي قام به المسلمون ، وما أثر عنهم من تراث فكري وعلمي وعقدي .
فعقيدة الواحدنية الصحيحة التي غرسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في قلوب المؤمنين يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، والعبادة التي شرعها الله سبحانه وتعالى للمسلمين ، ووضحها لنا النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، والأخلاق التي تخلق بها النبي صلى الله عليه وسلم ودعا إليها يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، والقيم السامية التي حث عليها صلى الله عليه وسلم يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، والنظافة والنظام واحترام الكبير والعطف على الصغير يمكن أن يعد كل ذلك جزءا من الحضارة الإسلامية ..
ودعوته صلى الله عليه وسلم لنشر الحب والسماحة والمودة والرحمة بين الناس يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية, ووصيته ببر الوالدين وصلة الأرحام , وإطعام الفقراء والمساكين واليتامى وكسوتهم يمكن أن يعد جزءا من الحضارة الإسلامية, ومساعدة المحتاجين, والإحسان إلى الجيران يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية, ودعوته صلى الله عليه وسلم إلى حسن المعاشرة بين الأزواج يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية.
وكذلك دعوته صلى الله عليه وسلم إلى نظافة البدن والملابس والبيوت والطرق , والمحافظة على الصحة والتجمل والتزين ، يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية..
ودعوته صلى الله عليه وسلم إلى إتقان العمل يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، ومناداته بنصرة المظلومين يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية, ودعوته إلى تحرير العبيد واحترام آدمية الإنسان الذي كرمه الله على سائر المخلوقات وخلقه بيديه يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية..
 وحثه صلى الله عليه وسلم على الرفق بالحيوان ورحمته يمكن أن يعد جزءا من الحضارة الإسلامية, وحضه على الحافظة على الطبيعة التي وهبها الله لنا يمكن أن يعد جزءا من الحضارة الإسلامية.
بل إن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الاعتداء وسفك الدماء إلا بالحق , وعن الوقوع في الفواحش وسائر المنكرات, وعن الكذب والخيانة والغدر والغش وقول الزور وأكل الميتة , وعن أكل أموال الناس بالباطل , وعن أخذ الرشوة يمكن أن تعد جزءا من الحضارة الإسلامية..
وتحذيره من الظلم والتجبر والإفساد في الأرض , ومن نقص الكيل والميزان في البيع والشراء , وعن التعصب للجنس أو اللون , وعن قتل الحيوانات لغير الحاجة أو إيذائها , وعن قطع الأشجار النافعة إلا لضرورة الناس يمكن أن يعد جزءا من الحضارة الإسلامية.
وذلك لأن تلك الأمور كلها من لوازم المجتمع العمراني المثالي الذي لا تقوم الحضارة ألا به .
وما قدمه المسلمون من نظم وتشريعات وقوانين ودساتير للبشرية يعد جزءا من الحضارة الإسلامية ..
وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، وسَن حق الرعية في اختيار من يحكمها ويترأسها ومراقبته ومحاسبته ، وإلزامه بأن يستشيرهم فيما يقوم به ، وما يقدم عليه من أعمال هامة تهم الدولة الإسلامية ؛ مما كان سببا في نضج البشرية ، يعد جزءا من الحضارة الإسلامية.
ونظم القضاء الفريدة التي تكفل للقاضي الاستقلالية الكاملة ، وتجبره على أن يسوي بين الخصمين ـ عند التحاكم ـ في كل شيء ، حتى في نظراته إليهما ، ولو كان أحدهما أمير المؤمنين نفسه ، تعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
ونظم المدارس والمحاكم والمستشفيات التي ابتكرها المسلمون تعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
والمكتبات العامة ونظم الجامعات التي أسسوها تعد جزءا من الحضارة الإسلامية ، والمصنفات والنظريات العلمية التي وضعها علماء المسلمين ، وكان لهم فيها فضل السبق على العالم الحديث تعد جزء من الحضارة الإسلامية .
واختراع نظام إخضاع النظريات العلمية للتجريب للوصول إلى الحقائق الثابتة اليقينية في العلوم الطبيعية ، تلك الحقائق التي كانت نواة للنهضة الحديثة ، تعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
وجهاز الحسبة الذي وضعه علماء المسلمين لمراقبة الصناعات والحرف المختلفة هذا الجهاز الذي تفرع في العصر الحديث إلى أجهزة المراقبة والمحاسبات والصحة العامة والجودة ومطابقة الموصفات والتموين وغيره يعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
ونظم التعامل البنكي من شيكات وسندات وصكوك ، وأمور التعامل المادي التي وضعها المسلمون تعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
وتعريب تراث الأمم السابقة والاستفادة مما جاء فيها ، ونقدها والتعليق عليها ، يمكن أن يعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
ونظم التعامل بين الجنسيات أو العرقيات أو الديانات داخل المجتمع الإسلامي التي سنها المسلمون لتستوعب كل أفراد وطبقات المجتمع ، وتجعل منه نسيجا مترابطا تعد جزءا أصيلا من الحضارة الإسلامية .
والصناعات الحديثة التي ابتكرها المسلمون جزء من الحضارة الإسلامية .
والأصناف الزراعية التي ابتكر المسلمون صناعتها واستخدامهم لسبل الزراعة الراقية ، واختراع نظام تطعيم الفواكه ومحاولات إيجاد أصناف جديدة جزء من الحضارة الإسلامية .
والأدوية والأدوات الطبية التي صنعها المسلمون ونقلوا صناعتها للأمم الأخرى تعد جزءا من الحضارة الإسلامية .
والصحاري التي عمروها ، والمدن التي أقاموها ، والمساجد والعمائر والحصون والقلاع التي شيدوها هي جزء من الحضارة الإسلامية .
إذن فمصطلح الحضارة الإسلامية مصطلح واسع فضفاض يتسع ليشمل كل ذلك .
المصدر: موقع التاريخ