سنغافورة تطور أكثر نظم العالم توفيراً للمياه
البيان: يوسف جباعتة
تعتبر المياه والكهرباء من ضروريات الحياة لقيام المدن المختلفة، ومع تزايد أعداد السكان، فلن تبقى كميات المياه والكهرباء المتوافرة حالياً كما هي في المستقبل، لهذا تخطط الكثير من المدن لإطلاق مشاريع مبتكرة من أجل الاستغلال الأمثل لتلك المصادر، وخاصة المياه، وإعادة تكريرها.
وتعتبر سنغافورة من الدول الرائدة في هذا المجال، فعندما تتوقف العواصف الموسمية المطرية، التي تغرق المحلات والشوارع، تهب المدينة بكل أدواتها وعبقريتها التقنية المعهودة للاستفادة من تلك المياه، بهدف الاستغناء عن احتياجاتها لمياه جارتها ماليزيا.
وتعتبر المياه نقطة ضعف سنغافورة، منذ أن انفصلت عن ماليزيا قبل أكثر من نصف قرن، حيث تتركز سنغافورة كلها وسكانها البالغ عددهم 5 ملايين شخص في مساحة لا تزيد على نصف مساحة مدينة كبيرة، مثل نيويورك، وتعاني مشروعاتها الصناعية من نقص إمدادات المياه، ومن أجل التحرر من الاحتياج إلى المياه الماليزية، فإن سنغافورة تسعى لبناء أكثر نظم توفير المياه تطوراً في العالم.
طرق تقليدية
وتحصل معظم الدول على الماء من المطر، الذي يهطل على التلال، حيث تقوم الحكومات بحماية تلك المياه من الضياع، عن طريق احتجازها في السدود والأحواض المائية، أو تركها تنساب عبر الأرض، وفي حالة الحاجة إليها، يتم استخراجها بواسطة المضخات، غير أن سنغافورة عبارة عن جزيرة لا يزيد عرضها على 30 كيلو متراً فقط.
ولا تحتوي الكثير من التلال، ولا يوجد أمامها حل في هذه الحالة سوى في التعامل مع المياه على أنها سلعة غالية ينبغي التعامل معها بالطرق العلمية من نواحي التنظيف وإعادة الاستخدام والحصاد.
وبهذا أصبحت سنغافورة نموذجاً يحتذى للعديد من مدن العالم في هذا المجال، بدءاً بلندن ولوس أنجليس، وليس انتهاء ببرلين ومومباي، خاصة أن المستقبل سيشهد نقصاً في مصادر المياه المختلفة.
وفي عام 2005، افتتحت سنغافورة محطة تحلية لها في منطقة «تواس» الصناعية، جنوب غربي الجزيرة، وآنذاك اعتبرت أكبر محطة في العالم تستخدم نظام التناضح العكسي، حيث يتم ضخ المياه في أنابيب تسمح بمرور جزيئات المياه ولا شيء غيرها، وكانت تلك المحطة توفر 10؟
من احتياجات سنغافورة للمياه، حيث بلغت قدرتها الإنتاجية 136 ألف متر مكعب في اليوم، ورغم أن تكلفة المياه الناتجة عن المحطة بلغت 250 ضعف تكلفة المياه المستوردة من ماليزيا، بسبب الطاقة العالية التي تستهلكها المحطة، إلا أن سنغافورة تعتزم بناء محطة أخرى أكبر من الأولى.
تقنية مكلفة
غير أن سنغافورة تعلم جيداً أن التحلية من التقنيات المكلفة، لهذا فإنه لا يجوز الاعتماد عليها وحدها في المدى البعيد، وبما أن كمية الأمطار التي تصل إليها كثيفة، حيث تبلغ 2400 ميلليتر كل عام كمعدل، فإن الخطط الآن تميل لمحاولات احتجاز تلك المياه التي تكفي سنغافورة وتزيد على احتياجاتها، غير أن هناك مشكلتين مرتبطتين بهذه المسألة، أولاهما أن معظم الأمطار تأتي على شكل أعاصير في فصل الشتاء.
وتتسرب عبر الأنهار القصيرة والخيران الموجودة إلى البحر بسرعة، ثانياً، من الصعب أن تبقى مياه المطر نقية في البيئات المدنية، فمياه المطر تغسل الشوارع والساحات، وتلتقط في طريقها الملوثات المختلفة والنفايات، بالإضافة إلى أملاح الصخور والتربة.
غير أن سنغافورة تجاوزت مصاعب كبيرة في هذا المجال، فمع حلول أواخر العام المقبل، ومع اكتمال بناء خزانيها السادس عشر والسابع عشر، فإن ثلثي المناطق في سنغافورة ستكون جاهزة لضخ المياه المعادة والاستفادة منها، وهناك العديد من الأمثلة الواقعية لمؤسسات استفادت فعلياً من مياه الأمطار، ومنها مطار «تشانغي» الرئيسي، فهو يتزود الآن بثلث حاجته من المياه النقية، من مياه الأمطار التي تسقط على مدارجه، وتتسم هذه الطريقة بأنها أقل تكلفة من التحلية بكثير.
وتعتبر هذه البداية فقط بالنسبة لسنغافورة، التي تعد من أوائل الدول لإدراك أن حلول نقص إمدادات المياه تكمن في إدارة الطلب عليه وتنظيمه، وكذلك في زيادة العرض، وهذا يعني السعي حثيثاً لمنع أي تسرب للماء من أنابيب شبكة المياه العامة، وحض المستهلكين بجميع شرائحهم وقطاعاتهم على الاقتصاد في استخدام المياه، وفي إعادة تكرير مياه الصرف الصحي، وغيرها من المياه العادمة.
ويعتبر نجاح سنغافورة في وقف تسرب المياه من أنابيب الشبكة العامة صفعة على وجه كل المدن التي فشلت في ذلك. ويتبدد 25 بالمئة إلى 40 بالمئة من مياه الشبكة العامة، على مستوى العالم، بسبب التسرب.